الاثنين، 9 سبتمبر 2013

الدولة والسيادة

 بقلم/ محمد العتيبي 
الدولة والسيادة.

نشأة الدولة من المواضيع التي أثارت كثير من النقاشات ومازالت تثير والأكيد أنها مرت بتطورات كثيرة حتى وصولها إلى ماهي عليه الآن.
ومن نظريات نشأة الدولة نظرية الثيوقراطية الدينية وترجع هذه النظرية إلى الله وحده صاحب السيادة، وهذه النظرية تقدس الحاكم لأنه وسيلة لتنفيذ المشيئة الإلهية وتكون إرادة الحاكم فوق الجميع، ونظرية الطبيعية الإلهية للحاكم أي أن الحاكم هو الإله ونشأت هذه النظرية في الحضارات القديمة منها الحضارة الفرعونية وكما أن هذه النظرية ظل معمول بها إلى وقت قريب من تاريخ الأباطرة في اليابان حتى سنة 1947 .
ومن النظريات في نشأة الدولة الحق الإلهي المباشر أن الله خلق كل شيء في الحياة والدولة إحدى مخلوقاته ووضع عليها حاكما من مخلوقاته وحمله أمانة الحكم ولذلك لا يسأل إلا من الإله وهو صاحب السيادة، ثم نظرية الإله الغير مباشر وسبب ظهورها هو انهيار الإمبراطورية الرومانية وسيطرة الكنيسة على العالم المسيحي وتقول هذه النظرية أن الله لا يخلق الدولة بصورة مباشرة إنما بعناية الله وهو الذي يسير الناس نحو اختيار الحاكم الذي هو ذات بشرية يتم اختيارة بالعناية الإلهية وقد قيدت هذه النظرية سلطات الملوك ودعمت سلطات الكنيسة ممثلة الشعب المسيحي باعتبارها صاحبة الحق في منح السلطات وسحبها، ومن النظريات نظرية القوة وترجع هذه النظرية أصل نشأة الدولة إلى القوة حيث يفرض القوي قوته على الجميع، ومن النظريات نظرية العقد الاجتماعي وتقول أن الدولة نشأت بفعل اتفاق اختياري وعقد بين الأفراد بسبب القسوة في العيش التي كانوا يقاسونها، وينقسم رأي الفقهاء حول من أول من قال بهذه النظرية والبعض قال ترجع إلى فلاسفة القرنين السابع والثامن عشر مثل توماس هوبز وجون جاك وجان جاك روسو والرأي الاخر يرى انها ترجع في الاساس إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو 
وهناك ايضاً خلافاً في تعريف الدولة فقد عرفها الفقيه الفرنسي كارية بأنها (مجموعة من الافراد مستقرة في اقليم ولها من التنظيم ما يجعل لهذه الجماعة في مواجهة الافراد سلطة عليا آمرة وقاهرة) وعرفها بو نارد بأنها( وحدة قانونية معينة إزاء أمة مستقرة على اقليم بأساليب تقوم على ارادتها وحدها عن طريق القوة المادية التي تحتكرها) والتعريف الاكثر دقة مجموعة افراد يقطنون اقليم ويخضعون لنظام سياسي. 
وقد عرف الاسلام تكوين دولة في صدر البعثة النبوية على نظرية التعاقد في بيعة العقبة الأولى سنة الثاني عشر من البعثة ثم بيعة العقبة الثانية سنة الثالث عشر وأسس النبي الدولة النبوبة في المدينة بعد الهجرة على أساس العدل والشورى . وترتكز الدولة على ثلاث ركائز التجمع البشري, والاقليم ,والنظام السياسي , بمؤسساته والإخلال بأحدى هذه الركائز تفقد قيمتها التشكلية ويقول روسو في تشكل الدولة ان الناس كانوا يعيشون حياة الفطرة لكنهم منضبطون بقانون طبيعي ويقسمها الى قسمين الاولى حياة الفطرة التي خلق الله فيها الفرد وظل لآلاف السنين بدون تشكل الدولة والمرحلة الثانية جاءت نتيجة لظروف خارجية وتطور ملكات الانسان وتطلعه لحياة الاسرة ولم يعد يرضى بحياة الفطرة والتشرد ووجد ماهو ضروري لحياته من اكتشاف الزراعة  والتعدين ولذلك أصبح الإقليم ذو قيمة عند الانسان يعيش في وجدانه ومكان استقراره وانتمائه للإقليم وتجماعاته البشرية وتكمن قيمة الإقليم بسبب وجود الانسان فيه فالقيمة الحقيقية للوطن هو الانسان ومع استقرار الأفراد في إقليم خرجت النزاعات وأصبح النظام السياسي ضرورة للحفاظ على حقوق الافراد والفصل بين النزاعات. فالإقليم والنظام السياسي قيمتها في الانسان الذي خلقه الله واستخلفه في الارض كما تكررت إشارات القرآن إلى أن الإنسان مستخلف في الأرض وصريح قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] . ومن هنا يتضح أن السيادة لله فهو الخالق وصانع الشيء هو سيده. 
تعريف السيادة اصطلاحاً في الدولة الحديثة بأنها :السلطة العليا التي لا تعرف فيما تنظم من علاقات سلطة عليا أخرى إلى جانبها. 

وعرفت بأنها: أن يكون لها الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه.
وارتبطت فكرة السيادة بالمفكر الفرنسي "جان بودان" الذي أخرج سنة 1577م كتابه: الكتب الستة للجمهورية،
وفي 26 أغسطس 1879م صدر إعلان حقوق الإنسان الفرنسي الذي نص على أن السيادة للأمة وغير قابلة للإنقسام ولا يمكن التنازل عنها، فأصبحت سلطة الحاكم مستمدة من الشعب, وظهرت تبعاً لذلك فكرة الرقابة السياسية والقضائية لتصرفات السلطة التنفيذية.
ويتضح  أن السيادة بتفويض من الله للإنسان في الأرض وأن الإقليم والنظام السياسي يكتسب المشروعية من الإنسان نفسه كما أكد على ذلك الإسلام بمبدأ الشورى ومقوله عمر من بايع بغير مشورة فقتلوه   وهذه تؤكد على سيادة الإنسان باختيار نظام الحكم وشخص الحاكم فإذا كانت الأمة هي من يختار فصاحب الإختيار هو السيد الحقيقي يتنازل عن السيادة بتوكيل كما قال شيخ الإسلام بن تيمية: أن الإمام وكيل عن الامة فلا يمكن يكون للحاكم السيادة من غير رضى الامة ولا يمكن للإقليم سيادة في غياب السيد ولا يمكن للنظام السياسي من سيادة على الاقليم والناس في ظل قهر و سلب السيادة من السيد الحقيقي فالكلام عن سيادة الحكومات في ظل البطش والقمع والقهر للسيد الحقيقي كلام عبثي لا يستند الى رؤية حقيقية بسند قانوني ولابد  هنا من التفريق بين الدولة لأنها ليست ملكا خاصا للحكومة وإنما الحكومة عبارة عن مدير للدولة يتم اختيارها بإرادة الشعب ونحن نتطلع في وطننا لعودة السيادة المغتصبة والمسلوبة الى السيد الحقيقي وصاحب الجلالة والسمو المواطن بنظرية التعاقد الحقيقي .