بقلم / محمد العتيبي
المواطنة والإختلاف
"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا
يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"
الإختلاف والتنوع سنة من سنن الله في خلقه، . كما أن التنوع والاختلاف موجود في الطبيعة،
وفي الكون. فلا يمكن لأي فكرٍ بشري إزالة هذا التنوع والاختلاف ، أو دمجه في عنصر واحد فهي حقيقة ثابتة لا جدال فيها مع الوجود الإنساني
في التجمعات البشرية .
والتجمعات البشرية ضاربة في القِدم ، وقد انقسم العلماء والفلاسفة في
تحديد طبيعة التجمعات البشرية، فالبعض قالوا أنها بدأت بالأسرة، والبعض قالوا أنها
بدأت على شكل قطيع.
و تطور التجمعات البشرية أفضى
إلى نشأة الدولة، قال أرسطو في الدّولة أنّها
تنشأ بعامل الحياة، ولكنّها تبقى في الحقيقة لتحقيق حياة منتظمة بشكل جيد. وهناك اختلاف
فقهيٌ في تعريف الدولة؛ فقد عرفها الفقيه الفرنسي كاريه دومال بيرك بأنها: (مجموعة
من الأفراد مستقرة في إقليم ولها من التنظيم ما يجعل لهذه الجماعة سلطة عليا، آمرة وقاهرة، في مواجهة الأفراد). وعرفها
الدكتور كمال الغالي بأنها: (مجموعة من الأفراد تعيش على وجه الدوام في إقليم معين
وتخضع لسلطة عامة ومنظمة).
ثمّ مع تطور البشر في الحضارات وتطور الفكر البشري ظهر مصطلح المواطنة
قديمًا مع نشأة الفكر اليوناني رغم القصور في المواطنة في الفكر الإغريقي!
وترسخ هذا المدلول، و أخذت المواطنة طور في التطور حتى أضحت على المفهوم
العلمي الحديث وتعددت تعريفاتها واقرب تعريف كما قيل.
( العضوية الكاملة والمتساوية
في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين
يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين
أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري)،
أما المواطنة بمعناها اللغوي العربي، فهي: مشتقة من وطن وهو بحسب كتاب
لسان العرب لابن منظور "الوطن هو: المنزل الذي تقيم فيه، وهو موطن الإنسان ومحله
… ووطن بالمكان وأوطن: أقام، وأوطنه: اتخذه وطنًا، والموطن … ويسمى به المشهد من مشاهد
الحرب وجمعه: مواطن، وفي التنزيل العزيز: "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة"
… وأوطنت الأرض، ووطّنتها، واستوطنتها، أي: اتخذتها وطنًا، وتوطين النفس على الشيء
كالتمهيد.
- أنظر ابن منظور "لسان العرب" دار صادر بيروت . ، المجلد 13 ص 451.
وايضاً المواطنة عقد شراكة
في الوطن الواحد بين أطراف متباينة الهوية عرقيًا وعقديًا وثقافيًا، ولا يلزم لقيامها
أونجاحها التجانس والتطابق بين افراد المجتمع.
فعندما تسمو قيم المواطنة ينصهر المجتمع في قالب واحد، ويعترف اطياف
المجتمع بحقوق الاخرين في الاختلاف، ولا يمكن
تحقيق المواطنة في ظل الأنظمة الاستبدادية.
ففي أوروبا كان الملوك والأمراء يزعمون أنهم يستمدون سلطتهم من الآلهة
وكان البابا يتوّج الملوك.
والعلاقة هي علاقة الراعي بالرعية وليست علاقة مواطن بوطن. ومفهوم المواطنة
ارتبط بتطور المجتمعات ديمقراطيًا، بعكس الأنظمة الأوتوقراطية وخصوصًا العربية التي
تعيش على الانقسامات داخل الشعب، وتغذيها ا من أجل الاستمرار وحماية أمن المستبد بالسلطة.
عندما نريد تحقيق المواطنة
فلا بد أن نسعى للإصلاح السياسي، فليست هناك قيم وطرق للتعايش بين مكونات المجتمع المختلف إلا بحقوق المواطنة ضمن المساواة في الحقوق والواجبات
في نظام ديمقراطي تكون السيادة فيه للمواطن
كما تؤكد تجارب الشعوب الاوروبية بعد الانقسامات والحروب بين الطوائف المسيحية .